
د. حسن بشير
أستاذ جامعة الإمام الصادق (ع)
الإبداع السردي هو فنُّ صياغة الحكايات والأحداث بطريقة مبتكرة تُلامس وجدان المُتلقّي وتُثير فضوله، وليست كما يعتقد البعض مجرَّد ناقلٍ للأخبار، بل هي عمليةٍ مُعقَّدة تدمج بين “الحقيقة والفن”، “الواقع والخيال”، و “المنطق والعاطفة”. إنه الجسر الذي يربط بين الوقائع الجافة والتفاعل الإنساني، ليحوّل السرد من مجرد كلمات إلى عالمٍ حيويٍّ قادرٍ على تشكيل الوعي، تحريك المشاعر، وحتى تغيير المواقف.
في عصرٍ تتصارع فيه الروايات وتتنافس الوسائط، يبرز الإبداع السردي كسلاحٍ استراتيجي لفَهم الواقع وإعادة صياغته، سواء في الأدب والإعلام والحملات الاجتماعية، أو حتى الصراعات السياسية. لكنَّ جودة هذا الإبداع لا تقاس بكمية المعلومات المُتدفقة، بل “بكيفية نسجها وصیاغتها”؛ إذ تتطلَّب عمقاً في المحتوى من خلال الاعتماد على مصادر موثوقة وتحليلٍ نقدي.
ومرونة في الشكل والسیاق باستخدام وسائط متعددة (نص، صورة، صوت) أيضا تحتاج ذكاءً في الاستهداف بفهم ثقافة الجمهور ولغته العاطفية ولا ننسى النقطة المهمة وهي حاجتها الى
الابتكارات في الأداء عبر أساليب غير تقليدية تجعل الرواية خالدة في الذاكرة، فالإبداع السردي الناجح ليس وَصفةً جاهزة، بل هو “مزيجٌ ديناميكي” بين الإتقان الفني والالتزام الأخلاقي، بين الشغف بالتفاصيل والقدرة على رؤية الصورة الكُبرى. وهو ما يجعل منه أداةً لا غنى عنها في عصرٍ تُحدِّد فيه الروايات مصائر الشعوب.
بشكل أساسي، لأي نوع من أن الإبداع السردي، هناك مبادئ ومكونات مطلوبة، من ناحية، يجب أن تكون متوافقة مع الأساليب العلمية، ومن ناحية أخرى، يجب تنفيذها بأساليب مناسبة لنشر المعلومات وترميزها حتى يتمكن الجمهور من فك تشفير السرد الذي تم إنشاؤه بسهولة.
ولذلك، وفي هذا السياق، يمكننا أن نذكر بشكل مختصر بعض المبادئ والمكونات المهمة. إن العنصر الأهم في خلق رواية حقيقية عن أي صراع يتطلب “معلومات موثوقة وموثقة”. يعد التوثيق مبدأً مهماً في سرد القصص. بدون توثيق، يأخذ السرد شكلاً مزيفاً واصطناعياً.
ويمكن أن تكون الاستفادة من المصادر الموثوقة والتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية مثل الصليب الأحمر ومنظمة هيومن رايتس ووتش وغيرها، أمراً فعالاً في هذا الصدد. “التصوير الميداني” من خلال إجراء مقابلات مع شهود العيان والصحفيين والمعنيين، ينبغي أن يستخدم هذا التصور أشكالاً مكتوبة ومرئية ومسموعة مختلفة لإنشاء سرد “إجراء بحث مقارن” بين الروايات التي قدمتها مختلف وسائل الإعلام المعارضة والداعمة للصراع من مختلف البلدان وبمختلف اللغات.
“استخدام أساليب تحليل الخطاب” لاكتشاف الخطابات المهيمنة على وسائل الإعلام العالمية لتمكين خلق تيارات مضادة مناسبة لتهميش الخطابات المنحرفة. “الترجمة والنشر المستمر للروايات الصحيحة.” وفي هذا السياق، ينبغي استغلال سرعة نقل الرسائل.
إن الوقت هو العامل الرئيسي في خلق خطاب عالمي داعم لأي قضية. “استخدام وسائل التواصل الاجتماعي” على نطاق واسع وبمختلف اللغات لنقل الرواية الصحيحة. وهنا أود أن أؤكد على أن خلق السرد ليس عملية مؤقتة يتم نسيانها بعد فترة من الزمن. ويجب أن يكون السرد في تدفق مستمر متصل بحياة العالم، وإنشاء سرد عن موضوع ما يتطلب مثل هذا الجهد. ومن ثم، لا بد من تصميم أساليب جديدة لسرد الوقائع في كل عصر، والتوجه نحو عولمته.
يرتبط بناء السرد دائماً ارتباطاً عميقاً بالمناهج الخطابية السائدة، والمنظورات السياسية، وأهداف الإعلان، والأساليب الإقناعية، وتحديد الجمهور.
إن إنشاء السرد لا يحدث في الفراغ. ولذلك فإن ما يتم على المستوى المحلي لا يتعين بالضرورة أن يكون متوافقاً مع التفسيرات الدولية. في كلا النهجين لإنشاء السرد، فإن العامل الأساسي لإنشاء السرد هو الجمهور المستهدف، والذي على أساسه يتم تصميم إنشاء السرد وإنشاء الخطاب