
– آية منصور
يُعد العراق من الدول المحورية في منطقة الشرق الأوسط، لما يمتلكه من تنوع ثقافي واجتماعي وعمق تاريخي يجعله أرضًا للتلاقي والتفاعل بين الشعوب، وقد برز في السنوات الأخيرة كوجهة مفضلة للعديد من المواطنين العرب، ولا سيما من سوريا ولبنان، ممن وجدوا فيه بيئة مرحّبة وفرصًا حقيقية لبناء حياة كريمة ومستقرة.
وقد أسهمت الروابط الأخوية المتجذرة، والتقاليد العراقية الأصيلة القائمة على الكرم والانفتاح، في جعل العراق نموذجًا حيًّا للتعايش الإنساني والسلام المجتمعي.
لم يكن الشاب اللبناني علي عفيف يتوقع أن يجد في بغداد حياة جديدة تنبض بالأمل، بعد أن أجبرته الأزمة الاقتصادية في بلاده على الرحيل، يقول علي في حديثه ل: “عملت في مقهى ببغداد، وكان دعم العراقيين لي مذهلًا، ولم أشعر بأنني غريب، بل كنت بين أهلي وناسي، والعراق منحني الأمان وفرصة لإعادة بناء حياتي”.
ويؤكد محمد علي، صاحب أحد المطاعم العراقية، على روح الانفتاح التي تميز المجتمع العراقي، قائلاً: “أوظف عمالًا سوريين ولبنانيين في مطعمي، وأسعى دائمًا لدعمهم والاستماع لمشكلاتهم، نحن لا نميز بين أحد، بل نرى في الجميع إخوة وأبناء هذا البلد”.

مجتمع يحتضن الاختلاف ويحتفي بالتنوع
تجربة الشاب السوري محمد عمار، البالغ من العمر 28 عامًا، مثال آخر على المحبة العراقية، منذ أكثر من سبع سنوات، ترك بلده الأم ليستقر في بغداد، حيث يعمل اليوم في مطعم بمنطقة المنصور، يقول: “العراق ليس مجرد محطة مؤقتة، بل أصبح وطني الثاني، لم أشعر قط بالغربة، بل تلقيت دعمًا إنسانيًا وأخلاقيًا جعلني أزدهر على المستويين المهني والشخصي”.

ترحيب عراقي بالأشقاء السوريين
العلاقة بين الشعبين العراقي والسوري ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى آلاف السني،هذه الصلات المتجذرة تعزز مشاعر القربى والتفاهم، وهو ما يلمسه السوريون يوميًا في تعاملهم مع المجتمع العراقي، الذي يستقبلهم بعاطفة أخوية تتجاوز مفاهيم “الوافد” و”المضيف”.
أما في المطبخ، فقد أصبحت “النكهة السورية” جزءًا من المائدة العراقية، الشيف علي، أحد الطهاة المعروفين في مطعم آخر ببغداد، يؤكد الإقبال الكبير على الأطباق السورية: الزبائن العراقيون يعشقون الأطعمة السورية، ويعتبرونها امتدادًا لثقافتهم. والأجمل من ذلك هو شعورنا الدائم بالترحاب والاحترام”.
من المطاعم إلى شركات الديكور، يساهم السوريون اليوم في تعزيز النسيج الاقتصادي والثقافي للعراق، الشاب محمود سعادة، يعمل في مجال التصميم الداخلي، ويؤكد على الثقة الكبيرة التي يحظى بها “الذوق السوري” لدى العراقيين: “العراقيون يقدرون التفاصيل، ويعجبون بذوقنا في تنسيق المساحات، أشعر بالفخر لأنني أعيش في بيئة تحترم العمل وتكرم من يتقنه”.
تآزر إنساني متبادل منذ عقود
قصص التضامن بين الشعبين ليست جديدة. السيدة ليلى، عراقية عاشت في سوريا بعد عام 2006، تروي تجربتها بتأثر: “عندما وصلت إلى سوريا كنت أشعر بالخوف لأنني كنت وحيدة، لكن السوريين استقبلوني بقلوب مفتوحة، جيراني لم يترددوا في مساعدتي وسؤالهم اليومي لي عما إذا كنت بحاجة إلى شيء جعلني أشعر وكأنني بين أهلي.”
تضيف ليلى، “رغم أنني عدت إلى العراق، إلا أنني ما زلت على تواصل مع جيراني السوريين، لم أنسَ أبدًا كيف كانوا سندًا لي في أصعب الأوقات، ولهذا أشعر اليوم أن استقبال العراق للسوريين هو رد جميل مستحق”.
ويشير السفير السوري لدى العراق، صطام جدعان الدندح، إلى أن عدد السوريين في العراق يتراوح بين 300 و400 ألف شخص، يتركز معظمهم في إقليم كردستان.
ويُعرف السوريون في العراق بالتفاني والانضباط، ما جعلهم خيارًا مفضلًا لأصحاب الأعمال في قطاعات متعددة.