الاخبار

تعزيز الروابط الأسرية وإحياء روح المجتمع.. رمضان يجمع العراقيين بالعبادات والمحبة

بغداد--آية منصور
تصوير: معد عادل
بحماس كبير، ينتظر خالد (33 عاماً)، وهو أحد سكان مدينة بغداد، الصحون التي ستعدها زوجته خصيصاً لتوزيعها بين الجيران، لأن رؤية جاري وهو يفتح الباب ويبتسم عند تسلم صحن الطعام، ثم يقول لي ‘إن شاء الله واصل، هي أكثر ما أفتقده في رمضان هي من اللحظات التي لا تكون بنفس القوة في الأشهر الأخرى.
ويقول خالد في حديثه ل: إن “تنوع أصناف الأطعمة واختلاف ألوان وأشكال الصحون القادمة من الجيران، يضفي على روحه بهجة كبيرة، وهذا الشهر أعمق من فكرة الأكل والامتناع عنه، وكل هذا الطعام القادم إلى مائدتي من جيراني ما هو إلا رسائل تعاضد ومحبة لا أراها في مكان آخر سوى في بلادي.”
رمضان في العراق ليس مجرد طقوس دينية، بل هو محطة سنوية تبرع بإظهار قيم التكافل الاجتماعي والهوية الثقافية التي تتجدد مع كل موسم. تعود العادات والتقاليد التي تجمع بين الموروث الشعبي وروح العصر للتذكير في هذا الشهر بفرص تعزيز الروابط الاجتماعية وإحياء قيم التكافل والتعاون.

نفعل ما يفعله أجدادنا
وتقول السيدة أم علي، إحدى ربات البيوت في بغداد ل: “كانت أمهاتنا وجداتنا يحرصن على طبخ كميات كبيرة من الطعام تتجاوز حاجة الأسرة، وذلك لتوزيعها بين الجيران والمحتاجين، وفي أيام الخميس والجمعة، كنا نذهب بهذه الأطعمة إلى المساجد التي تقيم موائد إفطار جماعية تستقبل المئات من الصائمين.”
وأضافت أم علي: “إذا كانت هناك عائلة فقيرة في الحي، فإن الأهالي يتعاونون لتوفير المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والطحين والزيت، بالإضافة إلى الطعام المطبوخ يومياً، وهذا العمل ليس للتباهي، بل هو تعبير عن المحبة والتعاون، وهو اتباع لوصايا النبي محمد (ص) وطلباً للأجر من الله.
وبينت، أن “هذه العادات تعيد للناس ذاكرة الاهتمام بالغير بعد ان تجبرهم الأيام الأخرى على النسيان، يأتي رمضان مثل قلب رحيم، يعيد للناس بريق أرواحها، ولا تقتصر المساعدات في رمضان على الطعام فقط، بل تمتد لتشمل توفير احتياجات أخرى مثل السكن والملابس وحقائب المدارس للأطفال، فضلاً عن الكلمة الطيبة التي تزرع البهجة في قلوب المحتاجين.


العودة إلى المقاهي الشعبية
من جانبها، تحدثت السيدة أسمهان محمد، وهي موظفة في إحدى المؤسسات الحكومية، عن الشهر الكريم، قائلة: “نلاحظ أن بعض أصحاب المحال يستغلون شهر رمضان لرفع أسعار المواد الغذائية، لكنني أراقب أيضاً أن الكثير منهم يتساهلون مع الجميع، فالكثير من الباعة يعطون المواد الغذائية بالدين للأسر ذات الدخل المحدود، ويتركون لهم حرية التسديد بعد انتهاء الشهر، وهذا يعكس روح التعاون التي يريد أن يوليها لنا رمضان.
وأضافت أسمهان في حديثها ل: “من العادات التي أحبها في رمضان هي زيارة الجيران بعد الإفطار لتناول الشاي أو الحلويات، كون هذه الزيارات تعزز أواصر المحبة بين الأهالي، كما أن جلوس الرجال في المقاهي بعد الإفطار للحديث وتبادل الأخبار هو من التقاليد التي تمنح الشهر طابعاً خاصاً، ونفتقد رؤية هذه التفاصيل، وأصبحت مثل “تراث” لا يمكن الحصول عليها بسهولة، لكن هذه اللحظات حيث يلتقي كبار السن مع الشباب في جو مليء بالدفء والذكريات، مع أصوات قرع الدومينو وملاعق الشاي، تمنح نكهة عراقية نحتاجها جميعنا.
وتابعت أسمهان حديثها مؤكدة على أهمية  شهر رمضان في تعزيز العلاقات الاجتماعية: “رمضان له طابع سحري في جعل الناس أكثر قرباً من بعضهم، والشهر الكريم يذكرنا بأهمية التواصل والتراحم ففي الأيام العادية، قد يجلس كل منا لوحده لتناول طعامه أو حتى لرؤية التلفاز بعد عودته من العمل أو الجامعة لكن في رمضان، تمتلئ الأرض أو الموائد والكراسي بجميع أفراد العائلة، كلهم يجلسون في مكان واحد، ووقت واحد، مما يعيد إحياء الروابط الاجتماعية التي قد تضعف بسبب ضغوط الحياة.”


شهر الابتعاد عن فوضى التكنولوجيا 
وفي حديثه عن تأثير التكنولوجيا في الحياة الأسرية، قال الأب أبو أحمد، وهو موظف في القطاع الخاص: “للأسف، أصبحت الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي تسيطر على حياتنا اليومية، مما جعل أفراد العائلة منعزلين عن بعضهم البعض، كل شخص في غرفته، منغمساً في عالمه الافتراضي، لكن رمضان يأتي ليعيد لنا هذه الروح الجماعية.”
وأكمل أبو أحمد: “في رمضان، نحاول التخلص من هذا الانعزال، ونجتمع كعائلة واحدة بعد الإفطار لمشاهدة البرامج والمسلسلات الرمضانية، أو نذهب لزيارة الأهل والأقارب، هذه اللحظات تعيد لنا الذكريات الجميلة، حيث كنا نجتمع في غرفة واحدة، نتبادل الأحاديث والضحكات، لأن رمضان يعلمنا أن الحياة الحقيقية ليست على الشاشات، بل في التواصل المباشر مع من نحب.”
وتابع بحديثه ل: “الشهر الفضيل فرصة ذهبية لإعادة ترتيب أولوياتنا، ونتعلم كيف نبتعد قليلاً عن الضجيج الرقمي ونركز على العلاقات الإنسانية وهذه القيم هي ما يجعل رمضان شهراً مميزاً، ليس فقط للصيام، بل لإعادة اكتشاف معنى العائلة والمجتمع.”

فرصة لتنظيم الحياة وتعزيز الروحانيات
يقول علي حسن، الطالب الجامعي البالغ من العمر 22 عاماً، في حديثه ل: “رمضان بالنسبة لي ليس فقط شهر الصيام، بل هو فرصة ذهبية لإعادة تنظيم حياتي، ففي هذا الشهر، أجد نفسي أكثر قدرة على التركيز في دراستي وتنظيم وقتي بين العبادة والمذاكرة، والصيام يعلمني الانضباط والصبر، وهما قيمتان أحتاجهما في حياتي الجامعية والعملية.”
ويضيف علي: “كما أن رمضان يعطيني فرصة للتقرب أكثر من أصدقائي وعائلتي. فبعد الإفطار، نلتقي في المساجد لأداء صلاة التراويح، أو نجلس معاً لتبادل الأحاديث والمشاريع المستقبلية. هذا الشهر يعيد لي التوازن ويذكرني بأهمية أن أكون إنساناً فاعلاً في مجتمعي.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى