
- نصار الحاج
تحرير ـ خضير الزوبعي
خبراء الاقتصاد حديثاً، باتوا يجمعون على أن مواكبة التقنيات المصرفية الحديثة في ما يخص وسائل الدفع الإلكتروني ستؤدي بالنتيجة الى رفع كفاءة أداء القطاع المصرفي، من خلال رفع مستوى ربحيته وخفض تكاليفه، إلا أن التمسك بالأساليب التقليدية في إنجاز العمل المصرفي ومحدودية استخدام التكنولوجيا، والرأي هنا للاقتصاديين أيضا، سيكون له تأثير سلبي في كفاءة إدارة العمليات المصرفية الداخلية، من خلال عدم قدرتها على خفض الجهد والسرعة في إنجاز العمليات والاستجابة لمتطلبات الزبائن، ولعل هذا الأمر كان جلياً في المنهاج الحكومي للحكومة العراقية الحالية، التي سعت منذ البدء للعمل الجاد على التحول الرقمي في وزاراتها، وخصوصا في قطاع الأعمال المالية وتجسيد ذلك في التعاملات اليومية للمواطنين.
وزارة التجارة رصدت مؤخراً زيادة ملحوظة لدى المواطنين، ممن يرتادون أسواق (الهايبر ماركت) التي افتتحتها، في مستويات التسوق بالدفع الإلكتروني التي وصلت يومياً الى نسبة 15% من أعداد المتبضعين.
وقال المتحدث باسم وزارة التجارة ،محمد حنون ل: إن “جميع (الكاشيرات) الموجودة في أسواق الـ(هايبر ماركت) لديهم أجهزة الدفع الإلكتروني (pos)، وأي مواطن يستطيع الدفع الإلكتروني أثناء التسوق بدلاً من الدفع النقدي”، لافتا الى أن “وزارة التجارة سجلت ارتفاعاً بالدفع الإلكتروني وصل الى 15% يومياً بعد أن كان يتراوح ما بين 2 الى 4 %”.
“تشجيع استخدام البطاقات الإلكترونية”
المواطن العراقي لعله ما زال بحاجة لمزيد من الحوافز التي من شأنها أن تشجعه على اعتماد عمليات الدفع الإلكتروني بدلاً من الدفع النقدي، مثل الخصومات التحفيزية في الأسعار لمستخدمي البطاقات الالكترونية، وعن هذا الأمر قال مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، ل: إن “البلاد بحاجة ماسة إلى ميزانية عمومية توضح تكلفة إدارة المدفوعات النقدية المباشرة مقارنة باستخدام بطاقات الدفع الإلكتروني، سواء من حيث إدارة السيولة الكلية أو السيولة المصرفية”.
وأضاف أن “إدارة تكاليف الميزانية العمومية النقدية مقارنة بإدارتها رقمياً في نشاط المدفوعات الإجمالية يتطلب بلا شك حسابات دقيقة تُعد سنوياً”، مستدركاً بالقول: “فمن المعروف عالميا أن تكلفة إدارة المدفوعات النقدية التقليدية داخل المجتمع الاقتصادي تكلف البلاد ما لا يقل عن 3٪ إلى 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بما في ذلك الاكتناز خارج المصارف وتكاليف إدارة النقد وتدويره بين الجمهور والجهاز المصرفي”.
وأضاف صالح: “من أجل الاستمرار في تشجيع عمليات الدفع الإلكتروني بدلاً من الدفع النقدي الذي يوفر الحد الأدنى من المخاطر للمتعاملين التجاريين وغيرهم، لا بد من منح خصم يمثل رقماً وطنياً إجمالياً يدفع لمستخدمي بطاقات الدفع الإلكتروني مقارنة بالدفع النقدي، يعد ذلك جزءاً من الدعم الذي تتبناه الدولة ضمن سياستها في الحوكمة الإلكترونية ورفع كفاءة الأداء الاقتصادي والمالي والنقدي في البلاد.”
وتابع: “يتم تحديد هذا الدعم سنوياً عند تشريع قانون الموازنة العامة الاتحادية ضمن فقرة الدعم، التي لا تزال تشكل نسبة 13٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مما يستدعي شمول دعم المدفوعات الرقمية وأخذها في الحسبان ضمن اعتبارات الرفاهية الوطنية وتعزيز الحوكمة الكلية في البلاد كجزء من السياسة الاقتصادية العامة بشقيها المالي والنقدي.”
“زيادة حجم الودائع المصرفية”
البنك المركزي سجل نمواً في إجمالي الودائع لدى المصارف العاملة في العراق في الفصل الثالث من عام 2024، وقال البنك المركزي في إحصائيات نشرها على موقعه الالكتروني: إن “النمو في الودائع كان بنسبة (4.2%) في الفصل الثالث من عام 2024، إذ بلغت قيمتها (127.6) تريليون دينار، مقارنةً بقيمتها البالغة (122.4) تريليون دينار في الفصل الثالث من عام 2023.
وقال الخبير المالي، قصي صفوان ل: إن “زيادة حجم الودائع من المؤشرات الإيجابية، إذ إن تشجيع المواطن على التعامل مع المصارف سيقود حتماً الى زيادة حجم الكتلة النقدية المودعة فيها”.
واستطرد قائلاً: إن “زيادة الكتلة النقدية في المصارف سوف تقود الى تشجيع عمليات الدفع الالكتروني، وكلا الأمرين يتحقق من خلال قيام البنك المركزي بزيادة رأسمال المصارف من 250 الى 400 مليار دينار، وفتح نظام التحوط على قيمة الدينار العراقي الذي من شأنه زيادة حجم الإيداعات، وإعادة تفعيل نظام استثمار الودائع ومنح مالكي الحسابات الجارية جزءاً من أرباح تلك الاستثمارات، بالاضافة الى الاستثمار بالشمول المالي لتحويل النقود الورقية الى الالكترونية، ومراجعة أسعار الفائدة بما ينسجم مع معدلات التضخم”.
أما عضو اللجنة المالية النيابية ،مصطفى الكرعاوي، فيرى الأمر بصورة مغايرة نوعاً ما، إذ يقول: إن “إجراءات تعزيز الكتلة النقدية تحتاج إلى بناء الثقة مع المواطن وتقديم خدمات مصرفية تسهم في جذبه للتعامل الإلكتروني، وهذا الامر سيؤدي به الى إيداع أمواله في حسابات مصرفية وعدم اللجوء لخزن الكتلة النقدية في المنازل”.
وقال الكرعاوي ل: إن “هذا الأمر يتحقق عندما يشعر المواطن بمساحة من الأمان في تعاملاته المصرفية، حيث أن هنالك مشكلة ثقة الان بين المواطن والمصارف، وكذلك هنالك تسويق سيئ للخدمات المصرفية في كل من المصارف الحكومية والأهلية على السواء”، مشيرا الى أن “هذه المصارف إذا استطاعت أن تقدم خدمات وتسهيلات إدارية، وتقلل من حجم التعاملات الروتينية فيها، يمكن للمواطنين حينها زيادة إقبالهم على التعامل الإلكتروني، وبالتالي تحول النقد إلى أرقام ضمن حسابات المصارف”.
“تحسين النظام المالي والمصرفي”
العراق بدأ باتخاذ خطوات جدية لتحسين نظامه المالي والقانوني بما يتوافق مع المعايير الدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد وغسيل الأموال وهذا الأمر سيمنح مزيداً من الثقة للنظام المصرفي العراقي داخليا وخارجيا، وقال الخبير المالي والاقتصادي حسن لطيف جاسم ل :إن “موقف منظمة مجموعة العمل المالية الأخير بين أن العراق ملتزم بتوصياتها في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب”.
وأضاف أن “الخطوات الجادة للعراق بشأن مكافحة الفساد وغسيل الأموال سيترتب عليها مكاسب تتلخص بتحسين تصنيفه الدوري من خلال الامتثال للتوصيات، وجعل العراق أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية”.
وأشار الى أن “قدرة العراق على تحقيق مزيد من التعاملات الدولية مستقبلاً، يمكن أن ينعكس إيجابا على تسهيل عمليات التجارة مع البنوك والمؤسسات المالية، من خلال تقليل المخاطر المرتبطة بالتعاملات المالية نتيجة التزام العراق بمعايير مكافحة غسيل الأموال”.
وذكر أن “الالتزام والمسؤولية العالية التي يبديها العراق بشأن مكافحة الفساد والجريمة المالية من شأنه أن يعزز سمعته الدولية، ويزيد معدلات الثقة بنظامه المالي، كما أن الامتثال لتوصيات لجنة العمل المالي الدولية، يمثل خطوة مهمة في اتجاه تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي، وفتح آفاق جديدة للتطور، ومنح مزيد من الثقة للعراق والانفتاح المستقبلي عليه”.
المصارف الإسلامية العاملة في العراق هي الاخرى، بدأت بمراجعة معاييرها في التعاملات المصرفية سعيا منها لاستقطاب مدخرات المواطنين وتحويلها الى ودائع مصرفية، وفي هذا الشأن قال مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، عبد الحسين العنبكي، ل: إن “لجنة المعايير الشرعية للمصارف الإسلامية مستمرة في مراجعة المزيد من المعايير لضمان توافقها مع اللوائح الوطنية، في إطار التعاون مع هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI)،”، لافتا الى أن “المعايير الشرعية التي تضعها الهيئة تُعتمد في 37 جهة تنظيمية عبر 26 دولة كأساس لصياغة اللوائح المحلية وهي ليست إلزامية”.
وأضاف أن “المنتجات المصرفية الجديدة، تمثل نقلة نوعية في القطاع المصرفي، وستسهم في استقطاب المدخرات، وتحفيز التمويل التنموي، والحد من ظاهرة الاكتناز، التي تؤثر سلباً في الاقتصاد العراقي، مع بقاء 73% من الكتلة النقدية خارج المصارف”.
وبين أن “هذه المنتجات توفر حلولاً مصرفية متوافقة مع الضوابط الشرعية، ما يعزز ثقة العملاء بالمصارف الإسلامية، ويدفع باتجاه توسيع الشمول المالي ورفع التصنيف الائتماني للمصارف الإسلامية العراقية، كما ستتيح لشريحة واسعة من المجتمع العودة إلى التعاملات المصرفية، بعد أن كانت محرومة منها بسبب غياب المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية”.