الاخبار

مستشار رئيس الجمهورية: العراق بحاجة إلى نهضة حقيقية لتحسين واقع الصحة النفسية

– وسام الملا

حدد مستشار رئيس الجمهورية، جمال المحمداوي، اليوم الخميس، أهم التحديات التي تواجه واقع الصحة النفسية في العراق، فيما طرح الحلول للتغلب على تلك التحديات، مؤكداً أن العراق بحاجة إلى نهضة حقيقية لتحسين واقع الصحة النفسية.

وقال المحمداوي، في المؤتمر الدولي الخامس لجمعية الأطباء النفسيين العراقية، وحضره مراسل : “أعبر عن خالص امتناني وتقديري إلى الجمعية العراقية للطب النفسي هذا المؤتمر العلمي المتميز، الذي أصبح محطة علمية مهمة تجمع الخبراء والباحثين من مختلف المجالات لمناقشة قضايا الصحة النفسية في المنطقة”. 

وأضاف، أن “اجتماعنا اليوم في المؤتمر الخامس للجمعية العراقية للطب النفسي ليس مجرد لقاء علمي، بل هو تأكيد على التزامنا الأخلاقي والمهني تجاه مجتمعنا، تراف بأهمية الصحة النفسية كركيزة أساسية لبناء مجتمع متماسك وقادر على مواجهة التحديات”.

وأوضح، أن “الصحة النفسية ليست رفاهية، وليست قضية ثانوية، بل هي الحجر الأساس لاستقرار الأفراد والأسرة والمجتمع بأسره فالمجتمع الذي يعاني أفراده من مشكلات نفسية غير معالجة هو مجتمع يواجه تحديات على جميع المستويات من الإنتاجية، إلى العلاقات الاجتماعية، وحتى الأمن والاستقرار ولا يمكننا الحديث عن تنمية مستدامة من دون الاعتراف بأن الصحة النفسية ترتبط مباشرة بالقدرة على التعلم والعمل والإبداع والتفاعل الاجتماعي السليم”.

وأشار إلى، أن “واقع الصحة النفسية في العراق ليس في أفضل حالاته لقد مر بلدنا بتحديات استثنائية تركت بصمتها العميقة على الصحة النفسية لمجتمعنا، بدءاً من النزاعات والحروب، وصولاً إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، هذه العوامل أدت إلى ارتفاع معدلات اضطرابات القلق والاكتئاب، وزيادة في حالات اضطراب ما بعد الصدمة وتفاقم ظواهر مثل العنف الأسري والإدمان والأخطر من ذلك، أن العديد من هذه الحالات تبقى من دون تشخيص أو علاج بسبب الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالطب النفسي، مما يدفع المريض للمعاناة في صمت، أو اللجوء لحلول غير علمية تزيد من تفاقم حالته”.

وتابع: “نحن اليوم أمام واقع يتطلب مواجهة جريئة وصريحة للتحديات التي تعرقل تقدم الطب النفسي في العراق من نقص الكوادر المتخصصة، وهو إحدى هذه العقبات، حيث أن عدد الأطباء والمختصين النفسيين لا يزال غير كافٍ لتغطية الاحتياجات المتزايدة للمجتمع، مما يؤدي إلى تأخير في التشخيص والعلاج، وزيادة الضغط على المؤسسات الصحية”.

وبين، أن “ضعف البنية التحتية للمراكز النفسية يشكل تحدياً رئيساً، حيث تفتقر العديد من المرافق إلى التجهيزات الحديثة والموارد اللازمة لتقديم خدمات نفسية متكاملة، كما أن الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالاضطرابات النفسية ما زالت تمنع العديد من المرضى من البحث عن العلاج، مما يؤدي إلى تفاقم حالتهم الصحية وتأخير التدخل العلاجي ومن التحديات التي لا يمكن تجاهلها، فضلاً عن ارتفاع معدلات الإدمان والتعاطي، التي أصبحت ظاهرة خطيرة تهدد الأفراد والأسر على حد سواء”.

وأكمل بالقول: إن “هذه المشكلة تتطلب استراتيجيات علاج وتأهيل متكاملة تركز على الوقاية، العلاج، وإعادة التأهيل النفسي والمجتمعي ورغم التحديات، فإن الفرص ما زالت قائمة”.

وأضاف: “نحن اليوم أمام فرصة حقيقية لتحسين واقع الصحة النفسية في العراق، إذا ما اعتمدنا سياسات واضحة وفعالة، وإدماج خدمات الصحة النفسية في الرعاية الصحية الأولية وهو أحد الحلول الأساسية، بحيث يصبح العلاج النفسي جزءاً من النظام الصحي العام، متاحاً للجميع، وليس حكراً على فئات معينة”.

ولفت إلى، أن “إطلاق حملات توعوية وطنية سيكون له دور جوهري في تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الطب النفسي، وتشجيع الأفراد على طلب المساعدة   من دون خوف من الوصمة الاجتماعية”. 

وشدد قائلاً: “لا يمكن أن تبقى الصحة النفسية موضوعاً للنقاشات الأكاديمية داخل جدران المؤتمرات فقط، بل يجب أن تصل إلى المدارس والجامعات وأماكن العمل ووسائل الإعلام حتى تصبح ثقافة مجتمعية راسخة”.

وعلى المستوى الأكاديمي، أوضح مستشار رئيس الجمهورية، أن “تعزيز تدريب الأطباء والمختصين النفسيين يجب أن يكون أولوية، من خلال برامج تدريبية متخصصة تتيح لهم الاطلاع على أحدث التطورات العلمية والتقنيات العلاجية المتقدمة، وهو ما ستتم مناقشته في جلسات هذا المؤتمر، التي تتناول الفحص الجيني في الطب النفسي، الذكاء الاصطناعي في التشخيص، والعلاج السلوكي المعرفي (CBT) في الاضطرابات النفسية”.

ومن الحلول المهمة أيضاً، أشار المستشار، الى أن “تطوير التشريعات التي تحمي حقوق المرضى النفسيين، بحيث تضمن لهم الوصول إلى العلاج من دون تمييز، وتحميهم من أي ممارسات تمييزية أو غير إنسانية كما يجب أن نركز على توسيع برامج العلاج النفسي المجتمعي، لأن الصحة النفسية لا تُعالج فقط داخل المستشفيات، بل يجب أن تمتد إلى كل بيئات الحياة اليومية لضمان بيئة داعمة للمريض النفسي تساعده في  التعافي والاندماج”.

واستدرك بالقول: “اليوم، ومن خلال هذا المؤتمر نحن لا نناقش المشكلات فقط بل نبحث عن حلول قابلة للتطبيق لتحسين واقع الصحة النفسية في العراق ولدينا فرصة ذهبية للاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض النفسية وتطوير أدوات تقييم قائمة على تحليل البيانات الضخمة، وإنشاء برامج تأهيل نفسي رقمي تعتمد على التقنيات الحديثة”.

ونوه، بأن “كل هذه الحلول لن تكون كافية، إذا لم يكن هناك التزام حقيقي بتغيير الواقع، وإيمان راسخ بأن الصحة النفسية ليست ترفاً، بل أولوية يجب أن تحتل مكانها في السياسات الصحية العامة”.

واختتم مستشار رئيس الجمهورية كلمته قائلاً: إن “الصحة النفسية ليست مسؤولية فردية، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب تكاتف الجميع من الأطباء والمسؤولين والمجتمع المدني والإعلام لإحداث تغيير حقيقي”، مؤكداً أن “العراق يحتاج إلى نهضة في هذا المجال، نهضة قائمة على العلم والبحث والتوعية والتشريع، ونحن قادرون على تحقيق هذا الهدف، ولكن علينا أن نبدأ الآن بروح الإصرار والاستفادة من كل ما نملك من خبرات وموارد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى