- نصار الحاج
لم يعد النفط المصدر الوحيد لإعداد الموازنة العامة للبلاد، إذ تعمد الحكومة إلى رفع نسبة الإيرادات غير النفطية إلى أكثر من 20% وفق البرنامج الحكومي، من خلال دعم وتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل الآفاق الواقعية الوحيدة للتنمية الاقتصادية، وأداة فعالة لمعالجة مشكلة البطالة والفقر، عبر إنشاء مدن صناعية واستثمارية.
وقد عملت حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على دعم القطاع الخاص عبر نهج فعال وموضوعي لمغادرة الاقتصاد الأحادي، من خلال تفعيل القطاعين الصناعي والزراعي، وتوفير البنية التحتية اللازمة للاستثمار، وإطلاق برامج التدريب والتعليم لتعزيز مهارات العمال في القطاع الصناعي.
ويتوازى مع المسار الحكومي مسار تشريعي في مجلس النواب، يتمثل في إصدار تشريعات قانونية مرنة لدعم الاستثمارات الأجنبية في قطاع الصناعة، حيث أقر المجلس عدة قوانين تدعم الاستثمارات الصناعية المحلية.
وتؤكد عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، رقية النوري، في حديثها ل، أن “اللجنة تعوّل على إنشاء المشاريع الاستثمارية الصناعية في العراق من قبل الشركات الرصينة، بهدف تحقيق المزيد من التنمية والتطور السريع بعيدًا عن النمط المرتبط بالموازنات المالية السنوية المتأخرة”.
وتضيف النوري أن “تجربة الصناعات الاستثمارية تتعثر أحيانًا بسبب ارتفاع كلف الإنتاج أو مشكلات التسويق والفارق السعري عن المنتج المحلي، مما يقلص نشاط المشاريع الاستثمارية الصناعية المحلية، ويحد من قدرتها على الصمود الإنتاجي”، مشيرة إلى أن “التشريعات العراقية تتسم بالمرونة في دعم الاستثمارات الأجنبية في قطاع الصناعة، وقد شرّع مجلس النواب عدة قوانين تدعم الاستثمارات الصناعية المحلية”.
وأوضحت أن “حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تجاوزت مشكلة تراجع القطاع الصناعي في العراق، بعد تحسن الظروف الأمنية الداخلية والخارجية التي أثرت سابقًا بشكل سلبي على طبيعة القطاع الصناعي”، مشيرة إلى أن “القطاع الصناعي شهد انتعاشًا بفضل دعم الحكومة للصناعة، وحث رجال الأعمال في اتحاد الصناعات على الشراكة مع الدولة”.
وأشارت النوري إلى أن “الحكومة أنجزت وافتتحت العديد من المشاريع الصناعية، ومنها مؤخرًا مصنع سولتير لإنتاج الألبان والعصائر”، مؤكدة أن “هناك نهجًا فعالًا وموضوعيًا لمغادرة الاقتصاد الأحادي، عبر تفعيل القطاعين الصناعي والزراعي”.
وفيما يخص سياسات دعم القطاع الخاص والصناعي، بينت النوري أن “وجود الفرص الاستثمارية المحلية يعد مؤشرًا مهمًا على دعم الصناعة والمصانع”، مشيرة إلى أن “هناك فرصًا أمام اتحاد الصناعات العراقي للشراكة مع الدولة والوزارات الساندة، من خلال دعم المبادرات وتشجيع رجال الأعمال والصناعيين العراقيين”.
وأضافت أن “تخصيص الضمانات السيادية للمشاريع الصناعية، ووجود قانون الضمان الاجتماعي الذي يحقق المساواة بين العاملين في القطاعين الخاص والعام، يعدان من العوامل المهمة في هذا المجال”.
المعايير والسياسات المعتمدة لإنشاء الصناعات الوطنية
من جهته، حدد مدير هيئة المدن الصناعية في وزارة الصناعة، حامد عواد، ل المعايير والسياسات المعتمدة لإنشاء الصناعات الوطنية، والتي تشمل:
• جودة المنتجات: يجب أن تكون المنتجات الوطنية ذات جودة عالية ومستوى تقني مقارب للصناعات الأجنبية.
• تكلفة الإنتاج: ينبغي أن تكون تكلفة الإنتاج للصناعات الوطنية منافسة لنظيراتها الأجنبية.
• الابتكار والتطوير: يتعين على الصناعات الوطنية أن تكون قادرة على الابتكار والتطوير المستمر لمنتجاتها.
• الاستدامة البيئية: يجب أن تكون الصناعات الوطنية مستدامة بيئيًا، وتراعي المعايير البيئية الدولية.
• التوافق مع المعايير الدولية: من الضروري أن تكون المنتجات الوطنية متوافقة مع المعايير الدولية والمتطلبات الفنية.
وأضاف عواد أن “الحكومة أنشأت عددًا من المدن الصناعية في العراق، ومنها:
• منطقة البصرة الصناعية: تعد واحدة من أهم المناطق الصناعية في العراق، إلى جانب منطقة الفاو، منطقة خور الزبير، وموقع الحديد والصلب.
• منطقة النجف الصناعية: أنشئت في عام 2022 على مساحة 6000 دونم.
• منطقة كربلاء الصناعية (المختصة بالصناعات النفطية والبتروكيماوية): أنشئت في عام 2021 على مساحة 5300 دونم.
• المدينة الصناعية النموذجية في الأنبار: أقيمت على مساحة 3000 دونم.
• المدينة الصناعية في ذي قار: تمتد على مساحة 2000 دونم.
منافسة المنتجات الأجنبية.
وأشار عواد إلى أن “هناك عدة قطاعات يمكن للصناعة الوطنية أن تنافس فيها المنتجات الأجنبية، مثل:
• الصناعة الغذائية: تشمل الأغذية المجمدة والمشروبات.
• الصناعة النسيجية: تشمل الملابس والأقمشة.
• الصناعة الكيميائية: تشمل المواد الكيميائية والأسمدة.
المواد التي تنتجها المصانع العراقية
كما كشف عواد عن أن وطبيعة المواد التي تنتجها المصانع العراقية، ومنها:
• المواد الغذائية: الأغذية المجمدة والمشروبات.
• المواد النسيجية: الملابس والأقمشة.
• المواد الكيميائية: المواد الكيميائية والأسمدة.
• الصناعات الإنشائية: مثل صناعة الأسمنت.
تطوير الصناعة الوطنية
من جهته قال رئيس اتحاد الصناعات العراقي عادل عكاب في تصريح ل، إن “القطاع الصناعي في العراق يواجه العديد من التحديات، أبرزها غياب المدن الصناعية المنظمة، وضعف القروض الصناعية، والبيروقراطية الإدارية، بالإضافة إلى صعوبة توفير المواد الأولية رغم تدخل مجلس الوزراء وإصدار قرارات بهذا الشأن”.
وأشار إلى أن “الاتحاد قدم ورقة إصلاحية للحكومة تتضمن حلولًا للمشكلات التي تواجه القطاع الصناعي، وقد لاقت هذه المبادرة ترحيبًا من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والجهات القطاعية المختصة، مما أسفر عن إصدار قرارات وتعليمات داعمة للصناعة، فيما تبقى بعض الفقرات التي يجري العمل عليها ضمن اللجان المشتركة”، مؤكداً أن “الحكومة داعمة لهذا التوجه”.
ولفت إلى أن “رئيس الوزراء أعلن أن عام 2025 سيكون عام الصناعة العراقية، مما يعكس التوجه الاستراتيجي نحو تعزيز الإنتاج الوطني”.
وأكد عكاب أن “الدعم الحكومي للصناعة بدأ يؤتي ثماره، حيث نشهد اليوم طفرة في المشاريع الصناعية في مختلف أنحاء العراق”، موضحًا أن “الاتحاد الصناعي العراقي كان قد قدم 13 مشروعًا فقط في بداية عمله، أما اليوم فتجاوز عدد المشاريع العشرات، ومن المتوقع أن تصل إلى المئات بحلول عام 2026”.
وأضاف أن “القطاع الصناعي يشهد توجهًا نحو توطين الصناعات الاستراتيجية، مثل الصناعات الدوائية والغذائية والإنشائية، مما يعزز الاكتفاء الذاتي ويقلل من الاعتماد على الاستيراد”.
وأشار إلى “النجاح الذي حققه معرض بغداد للصناعة، حيث أظهر للجمهور مدى تقدم الصناعة العراقية وجودة المنتجات المحلية”.
وبين أن “القطاع الصناعي هو المحرك الرئيسي للاقتصاد الوطني”، داعيًا إلى “استمرار الدعم الحكومي وتذليل العقبات أمام الصناعيين لتحقيق نهضة اقتصادية مستدامة”.
بدوره، أشار الخبير الاقتصادي والمالي، قصي صفوان، إلى أن “عملية بناء سياسات اقتصادية لدعم الإنتاج المحلي تتطلب رسم خريطة واضحة لأن الصناعات المتوفرة محليًا، مع وضع سياسة جمركية تتناسب مع قدرة الإنتاج المحلي على تغطية الطلب المحلي”.
وأوضح صفوان، في حديثه ل، أن “عملية بناء صناعات وطنية لأغراض التصدير تحتاج إلى توسيع دائرة التحرير، من خلال دراسة حاجة المنطقة والعالم للمواد التي يمكن تصنيعها محليًا، مثل الأسمنت، الفوسفات، الكبريت، وغيرها من الموارد العراقية التي يمكن أن تصبح نافذة للصادرات”.
كما بين أن “الصناعة العراقية بحاجة للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، لحماية الإنتاج المحلي، وضمان تغطية الطلب المحلي من الداخل، بالإضافة إلى حماية المستهلكين من خلال فرض مواصفات جودة عالية على السلع المنتجة محليًا”.
وأشار إلى أن “هناك مجالًا واسعًا للسياسة المالية لدعم الصناعة العراقية، من خلال توفير مبادرات إقراض متخصصة في صناعات معينة، ودعم الثروة الحيوانية والصناعات الغذائية المكملة للزراعة”.
وأكد صفوان أن “العراق لديه فرصة كبيرة في تغذية قطاع الزراعة والصناعات الغذائية، خاصة أن دول الخليج تحتاج إلى كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية”، مشددًا على ضرورة تنسيق السياسات المالية والاقتصادية، واستغلال التنوع المناخي ونوعية التربة لتعزيز القدرة التنافسية لهذه الصناعات، عبر دعم المصنعين والانفتاح على المنظومة الاقتصادية الدولية.
وفي ختام حديثه، أوضح أن “هيئة الاستثمار تستقبل الطلبات للمشاركة في إنشاء مدن صناعية وتجارية بالشراكة مع دول الاتحاد الأوروبي والشركات الأمريكية”، مشيرًا إلى أن “إدارة ملف الاستثمارات الأجنبية في الصناعة الوطنية تتم من خلال جولات تراخيص، بهدف تحقيق إيرادات غير نفطية من القطاع الصناعي”.
3 4 دقائق